صفقة غزة- بين استحالة الحلول الجزئية والسلام الدائم
المؤلف: طلال صالح بنان11.02.2025

في الأربعاء الفائت، دخل حيز التنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار على امتداد الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، ليشمل كامل نطاق المواجهات. ومع ذلك، يكتنف الاتفاق قدر كبير من الإبهام والضعف في الصياغة والمحتوى، خاصة فيما يتعلق بالأطراف المعنية، حيث أن أحد الأطراف (الحكومة اللبنانية) ليس طرفاً فاعلاً في القتال، بينما لم يتم الإشارة صراحة إلى الطرف المقاتل (المقاومة اللبنانية) كطرف ملتزم ببنود القرار. تخيلوا معاهدة مماثلة يتم التوصل إليها في الجبهة الجنوبية، حيث لا تكون المقاومة طرفاً مباشراً فيها ومسؤولة عن تطبيقها، مع غياب طرف سيادي يمثل الفلسطينيين.. تُرى ما هي فرص التوصل إلى مثل هذه المعاهدة وما مدى الالتزام بها؟
وليس الهدف هنا تقييم الاتفاق الحالي ولا النظر في احتمالات التزام الأطراف به أو مدى صموده، بل استشراف إمكانية عقد اتفاق مماثل على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية الجنوبية، والتي تُعتبر الجبهة الرئيسية للمعارك المستمرة منذ ما يربو على الأربعمائة يوم. يمكن القول من الزاوية الاستراتيجية والسياسية: إن وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية يمثل ضرورة، من وجهة النظر الإسرائيلية، لإلقاء أعباء الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023. وقد يكون هذا هو الإنجاز العسكري الأبرز لإسرائيل، كونه يمثل أحد أهم أهداف تركيزها العسكري على الجبهة الشمالية، وهو تحقيق هدف فصل الساحات، في مقابل استراتيجية المقاومة اللبنانية القائمة على وحدة الساحات. بالنسبة لإسرائيل، تحتل الجبهة الشمالية أهمية استراتيجية وسياسية تفوق تلك التي توليها للجبهة الجنوبية في غزة، بينما تعتبرها المقاومة الفلسطينية مجرد جبهة مساندة.
مما لا ريب فيه أن حكومة الحرب الإسرائيلية ستولي كامل اهتمامها العسكري والسياسي، في المرحلة المقبلة، لجبهة غزة، لأنها الساحة الرئيسية للمعركة، حيث يتوقف حسمها على تحقيق الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية من عدوانها على غزة، والتي تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية: أولاً: استعادة الأسرى.. ثانياً: استعادة قوة الردع الإقليمي، ثالثاً: فتح آفاق التطبيع مع دول الجوار العربي لإسرائيل، والقبول النهائي بشرعية إسرائيل الدولية، على كامل أرض فلسطين التاريخية، مع إجهاض مشروع الدولتين.
إن حكومة نتنياهو، المدعومة من اليمين الديني المتطرف، لن تقبل بأي صفقة مع المقاومة الفلسطينية يكون ثمنها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بحياة الأسرى، الأمر الذي قد يطيح بنتنياهو وحكومته. في المقابل: كانت قضية الأسرى ولا تزال أقوى ورقة رابحة تحتفظ بها المقاومة الفلسطينية، والتي تعادل، إن لم تتفوق، على إرادتها في مواصلة القتال. لا يمكن للمقاومة أن تسمح بفصل قضية الأسرى عن استمرار القتال، لإدراكها العميق بالأهمية الاستراتيجية لقضية الأسرى بالنسبة للداخل الإسرائيلي، كما أنها استوعبت أهمية هذه القضية من خلال تاريخ صراعها الطويل مع إسرائيل.. وحروب الدولة العبرية النظامية مع الدول العربية.
علاوة على ذلك، فإن أي صفقة لتبادل الأسرى مع إسرائيل لا تعني مجرد تبادل للأسرى بين الطرفين، بل تتجاوز ذلك لتشمل رفع الحصار عن غزة وإعادة إعمارها.. والأهم من ذلك، الاعتراف بأن أي اتفاق على الجبهة الجنوبية يلغي كل الأحلام الإسرائيلية التوسعية في القطاع، وتحقيق مطالب الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.. وعدم استبعاد المقاومة من أي ترتيبات أمنية وسياسية للقطاع في اليوم التالي لوقف الحرب.
وعليه: فإن التوصل إلى صفقة على الجبهة الجنوبية يبدو معقداً للغاية، ويكاد يقترب من الاستحالة، مقارنة بإمكانيات التوصل إليه. إنها أكثر من مجرد هدنة مؤقتة قد تنجب حرباً أخرى، بل هي بمثابة معاهدة تحمل في طياتها مسؤولية الحرب، وتداعياتها المحلية والإقليمية والدولية. إنها صفقة إما أن تبشر بقرب تحقيق سلام حقيقي ودائم، وإما أن تؤدي إلى استمرار التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. إنها صفقة لا تقبل أنصاف الحلول، وصفقة تحكمها معادلة صفرية، لا مجال فيها للمراوغة الاستراتيجية.
خلاصة القول: الفائز في صفقة الجبهة الجنوبية ليس الأطراف المعنية أو أحدها، بل يجب أن يكون السلام هو المنتصر.. وإلا فإن حالة الحرب ستستمر في قلب العالم (أرض الرسالات ومهد السلام).
